من المفيد أن تفهم شخصية من أمامك قبل أن تحاوره فلا تكن أنت البادئ .. بل اجعله يعرض الموضوع كيفما شاء حتى تدرك طبيعته و تستشف أسلوبه و تعرف هل هو ممن يحاورون بالعقل أم بالعاطفة وترى نظرته للحياة وكذلك درجة وعيه وفهمه فإن ذلك مما يمكنك من تحديد من أين تبدأ معه وكيف تحاوره.

ولقد راعى النبي صلى الله عليه وسلم أحوال الناس وأفهامهم، فترك بعض الأمور التي لا تدركها أفهامهم أو لا يدركها فهم بعضهم، فقد قال لعائشة رضي الله عنها: “يا عائشة لولا أن قومك حديث عهدهم – قال ابن الزبير: بكفر – لنقضت الكعبة فجعلت لها بابين: باب يدخل منه الناس، وباب يخرجون”.
فالأجدر بالمحاور أن يقتصر فيما يقوله على قدر فهم الطرف الآخر و لتتذكر أن من الناس من يحب الحديث فدعه يتولى دفته ابتداءً، بل وشجعه على ذلك بسؤالك له عن أمور تهمه، أو بطرح قضية تدور رحاها في الساحة، وقد يعن لك أن تقاطعه، وتعترض استرساله، ولكن لا تفعل ما دام في حديثه بقية، بل أنصت إليه بصبر، وشجعه على إبداء آرائه بحرية تامة.
ومن حسن فهم المحاور أن يتجه في حواره مع الآخرين إلى أسباب أفعالهم أو أقوالهم وليس إلى مظاهرها، فنظرية “نيوتن” في الفيزياء، “لكل فعل رد فعل” تنطبق على الجمادات، أما في حوار بني البشر “فلكل سبب فعل رد فعل” فمثلاً حينما يتعدى عليك أحد بلفظ مشين فلا تجب اللفظ بمثله، وإنما حاول أن تعرف أولاً سبب تلفظه بذلك، فربما كان غيرة منك أو سوء فهم أو نميمة أو غير ذلك فيعالج كل سبب بحسبه.
واعلم أنه ليس كل متحدث ينشد الحوار، بل فيهم من يكفيه أن تستمع له بإصغاء وتظهر شيئاً من التقدير، فدعه يعبر عن مكنونات نفسه، فإن ذلك يريحه، وهذا الإحساس يعتري كل أحد منا في بعض أحيانه، فتكون مادة حديثه للإخبار لا للحوار.
واحذر من أناس يستفزونك قصداً ببعض القول وشيء من الإشارة، فتفقد أعصابك، وبذلك تظهر للعيان عيوب أفعالهم متمثلة في ردة فعلك فتنسب إليك، وذلك لأن الحاضرين ينشغلون عادة بمظهر الحدث لا بسببه.
ولتتذكر أن من الناس من همه أثناء الحوار أن يشعر باهتمامك وتقديرك له أكثر من حرصه على موضوع الحوار، بل ربما وهب لك ما تريده دون نقاش إن شعر بتقديرك له، كما أنه ليس شرطاً للحوار الناجح أن يكون أكثر محتواه عن الموضوع موضع الحوار، بل قد يكفي لنجاحه كلمات بسيطة إن أحسنَّا التقديم لها.